بسم الله الرحمن
الرحيم
صُغْتُ مقابلةً مع شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى - فتصورت شيخ
الإسلام جالساً على كرسي الإفتاء وهو بحرّان في الشام، وتحت كرسيه بعض
الذين يحيون - بل يميتون - ليلة الثاني عشر من ربيع الأول، وتخيلت أنهم
يسألونه أسئلة ويجيبهم عليه.
علماً أنني ذكرت كلام شيخ الإسلام بنصه وفصِّه، ولم أغير منه شيئاً إلا ما
استدعى الاختصار فقط وهو يسير، وإنما أنزلت على تقريرات شيخ الإسلام أسئلةً
رأيتها تطابق ما قرره - رحمه الله تعالى -.
فما أسئلة أهل المولد النبوي، وما إجابات شيخ الإسلام المسددة الموفقة؟!
فإلى ذلك اللقاء الحافل أذهب بكم وأترككم هناك مع المقدم للّقاء والمنسق
له.
يبتدئ المقدم قائلاً: قد وردَتنا أسئلة كثيرة وشبهات من الذين يعتقدون سنية
إحياء ليلة المولد النبوي، فنترككم أعزائي القراء ومع ما يطرحون من
إشكالات واستفسارات.
س1: البدع التي يقع فيها الناس، ما سبب انتشارها وظهوره؟
أصل الضلال في أهل الأرض؛ إنما نشأ من هذين: إما اتخاذ دين لم يشرعه الله،
أو تحريم ما لم يحرمه الله...فالأصل في العبادات: أن لا يشرع منها إلا ما
شرع الله، والأصل في العادات: أن لا يحظر منها إلا ما حظره الله، وهذه
المواسم المحدثة؛ إنما نهى عنها لما حدث فيها من الدين الذي يتقرب به(ص 369
)
س2: كيف تمنعوننا من إحياء ليلة المولد، وقد اعتدنا
عليها في بلادنا وأفتى بها كثير من علمائنا وشارك فيها معظم عبادنا، فما
ردّكم؟
المخصص هو الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة والإجماع نصاً واستنباط، وأما
عادة بعض البلاد أو أكثره، وقول كثير من العلماء أو العباد أو أكثرهم ونحو
ذلك؛ فليس مما يصلح أن يكون معارضاً لكلام الرسول صلى الله عليه وسلم، حتى
يعارض به.( ص 271 )
س3: نحن نسمع من مشايخنا أن ( ما رآه المسلمون حسناً فهو
عند الله حسن ) ومادام أن ليلة المولد قد أجمع الناس عليها فهي إذاً أمر
حسن، فما ردَّكم؟
ج: من اعتقد أن أكثر هذه العادات المخالفة للسنن مجمع عليه، بناء على أن
الأمة أقرَّتها ولم تنكره؛ فهو مخطئ في هذا الاعتقاد؛ فإنه لم يزل ولا يزال
في كل وقت من ينهى عن عامة العادات المحدثة المخالفة للسنة.ولا يجوز دعوى
إجماع بلد أو بلدان من بلدان المسلمين فكيف بعمل طوائف منهم؟ !...
والاحتجاج بمثل هذه الحجج، والجواب عنها معلوم أنه ليس طريقة أهل العلم،
لكن كثرة الجهالة قد يستند إلى مثلها خلق كثير من الناس.( ص 271 + 272 )
س4: نعم ! نحن نقرأ أن ليلة المولد بدعة لم تفعل في عهد
الصحابة رضي الله عنهم، لكنها بدعة حسنة؛ وليست قبيحة، فحينئذ لا ينهى عنه؟
ج: هَبْ أن البدع تنقسم إلى حسن وقبيح ! فهذا القدر لا يمنع أن يكون هذا
الحديث(كل بدعة ضلالة) دالاً على قبح الجميع، لكن أكثر ما يقال: إنه أذا
أثبت أن هذا حسن يكون مستثنى من العموم، وإلا فما الأصل أن كل بدعة ضلالة؟ !
( ص 274 )
س5: هل يمكن أن تعطينا قاعدة منضبطة نقيس عليها هذه
الأمر الذي تفتي بأنه بدعة وضلالة؟
جـ - كل أمر يكون المقتضي لفعلــه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم
موجوداً لوكان مصلحـة، ولم يفعل: أنه ليس بمصلحة.( ص 279)
س6: لو سلَّمنا يا إمام أن المولد النبوي بدعة، فما
الضرر الحاصل من جراء ذلك؟
جـ - الشرائع أغذية القلوب، فمتى اغتذت القلوب بالبدع لم بيق فيها فضل
للسنن، فتكون بمنزلة من اغتذى بالطعام الخبيث..وفعل هذه البدع تناقض
الاعتقادات الواجبة، وتُنازع الرسلَ ما جاءوا به عن الله، وأنها تورث نفاق،
ولوكان نفاقاً ضعيف..فمن تدبر هذ: " علم يقيناً ما في حشو البدع من السموم
المضعفة للإيمان.ولهذا قيل: إن البدع مشتقة من الكفر ( ص 281 و 289 )
س7: يا أيها الإمام: ولماذا نلام على فعلها وقد فعلها
قوم كرام، وهم في الفضل والمكانة بالمقام الأرفع؟!
جـ - إذا فعلها قوم ذوو فضل؛ فقد تركها قوم في زمان هؤلاء معتقدين لكراهته،
وأنكرها قوم كذلك.وهؤلاء التاركون والمنكرون إن لم يكونوا أفضل ممن فعله،
فليسوا دونهم في الفضل.ولو فرضوا دونهم في الفضل، فتكون حينئذٍ قد تنازع
فيها أولو الأمر؛ فترد إذاً إلى الله والرسول.وكتاب الله وسنة رسوله مع من
كرهها لا مع من رخص فيه، ثم عامة المتقدمين الذين هم أفضل من المتأخرين مع
هؤلاء التاركين المنكِرين.( ص 291 )
س8: لكن يا أيها الشيخ المبجل الموصوف بشيخ الإسلام: ألا
ترى ما في إحياء هذه الليلة من المصالح والمنافع، ومنها كثرة الصلاة
والسلام على رسول الله، وكثرة الصدقات على الفقراء، واجتماع كثير من
المسلمين، ولقاء بعضهم ببعض، وغيرها من المصالح والمنافع؟
جـ - أما مافيها من المنفعة: فيعارضه ما فيها من مفاسد البدعة الراجحة،
منها - مع ما تقدم - من المفسدة الاعتقادية والحالية -: أن القلوب تستعذبها
وتستغني بها عن كثير من السنن، حتى تجد كثيراً من العامة يحافظ عليها ما
لا يحافظ على التراويح والصلوات الخمس.( ص291 )
س9: إذ: هل نفهم من خلال كلامكم السابق كلِّه أن الذي
يحيي هذه الليلة مأزور غير مأجور؟
جـ - تعظيم المولد واتخاذه موسم، قد يفعله بعض الناس ويكون له فيه أجر
عظيم؛ لحسن قصده، وتعظيمه لرسول الله صلى الله عليه وسلم..والله قد يثيبهم
على هذه المحبة والاجتهاد لا على البدع ( ص 297 و 294 )
س10: إذاً لماذا تنكرون علينا هذا الإنكار، ولنا في
عملنا بعض الأجر يا إمام؟
ج - أكثر هؤلاء الذين تجدونهم حرصاء على أمثال هذه البدع؛ مع مالهم فيها من
حسن القصد والاجتهاد الذي يُرجى لهم به المثوبة: تجدونهم فاترين في أمر
الرسول عما أُمروا بالنشاط فيه، وإنما هم بمنزلة من يُحلّي المصحف ولا يقرأ
فيه، أو يقرأ فيه ولا يتبعه...
ويَحسن من بعض الناس ما يُستقبح من المؤمن المسدَّد، ولهذا (( قيل للإمام
أحمد عن بعض الأمراء: إنه أنفق على مصحف ألف دينار ونحو ذلك، فقال: دَعْهُ؛
فهذا أفضل ما أُنفق فيه الذهب )) أو كما قال، مع أن مذهبه أن زخرفة
المصاحف مكروهة...وإنما قصده أن هذا العمل فيه مصلحة، وفيه مفسدة كره
لأجله، فهؤلاء إن لم يفعلوا هذا وإلا اعتاضوا هذا الفساد الذي لا صلاح
فيه.(ص297و296)
س11: هل يمكن أن توضح لنا - رحمك الله - كلامك الأخير:
أهو موافقة لنا أم ماذا ؟
جـ - التمييز بين جنس المعروف وجنس المنكر، وجنس الدليل وغير الدليل يتيسر
كثير، فأما مراتب المعروف والمنكر ومراتب الدليل؛ بحيث تقدم عن التزاحم
أعرف المعروفَين فتدعو إليه، وتنكر أنكر المنكَرَين، وترجح أقوى الدليلين؛
فإنه هو خاصة العلماء بهذا الدين....وهؤلاء خير ممن لا يعمل عملاً صالحاً
مشروعاً ولا غير مشروع، أو من يكون عمله من جنس المحرم، كالكفر والكذب
والخيانه والجهل.
س12: إذ: هل نحن أفضل أم الذين يعتقدون بدعية المولد
النبوي؟
جـ- من تعبّد ببعض هذه العبادات المشتملة على نوع من الكراهة، كالوصال في
الصيام..أو قصد إحياء ليالٍ لا خصوص له..؛ قد يكون حاله خيراً من حال
البطّال الذي ليس فيه حرص على عبادة الله وطاعته، بل كثير من هؤلاء الذين
ينكرون هذه الأشياء، زاهدون في جنس عبادة الله..لكن لا يمكنهم ذلك في
المشروع، فيصرفون قوّتهم إلى هذه الأشياء، فهم بأحوالهم منكرون للمشروع
وغير المشروع، وبأقوالهم لا يمكنهم إلا إنكار غير المشروع.
ومع هذ: فالمؤمن يعرف المعروف وينكر المنكر، ولا يمنعه من ذلك موافقة بعض
المنافقين له ظاهراً في الأمر بذلك المعروف، والنهي عن ذلك المنكر، ولا
مخالفة بعض علماء المؤمنين. ( ص 299 )
س13: لكن نرى من إخواننا الذين ينكرون علينا هذا الأمر
نوعاً من الشدة والغلظة في الإنكار، فما وصيتكم لنا ولهم؟
جـ- هذا قد ابتلى به أكثر الأمة في الأزمان المتأخرة، فعليك هنا بأدبين:
أحدهم: أن يكون حرصك على التمسك بالسنة باطناً وظاهراً في خاصتك وخاصة من
يطيعك، واعرف المعروف وأنكر المنكر
الثاني: أن تدعو الناس إلى السنة بحسب الإمكان، فإذا رأيت من يعمل هذا ولا
يتركه إلا إلى شر منه، فلا تدع إلى ترك منكر بفعل ماهو أنكر منه، أو بترك
واجب أو مندوب تركه أضرّ من فعل ذلك المكروه، ولكن إذا كان في البدعة نوع
من الخير؛ فعوِّض عنه من الخير المشروع بحسب الإمكان.إذ النفوس لا تترك
شيئاً إلا بشيء، ولا ينبغي لأحد أن يترك خيراً إلا إلى مثله أو إلى خير
منه.فإنه كما أن الفاعلين لهذه البدع معيبون قد أتوا مكروه؛ فالتاركون
أيضاً للسنن مذمومون..وكثير من المنكرين لبدع العبادات تجدهم مقصرين في فعل
السنن..ولعل حال كثير منهم يكون أسوأ من حال من يأتي بتلك العادات
المشتملة على نوع من الكراهة..فتفطن لحقيقه الدين، وانظر ما اشـتملت عليه
الأفعـــال من المصـالح الشرعيـــة والمفاسـد؛ بحيث تعرف ما ينبغي من مراتب
المعروف ومراتب المنكر، حتى تقدم أهمها عند المزاحمة؛ فإن هذا حقيقة العمل
بما جاءت به الرسل ( ص 296 - 298 ).
س14: هل معنى ما تقدم من تحذيـركم من المولد، ألا نمدح
الرسـول صلى الله عليه وسلم ولا نتـذكـر سيرته، ولا نجتمع على ذلك في أي
ليلة من ليالي السنة؟
جـ- الاجتماع لصلاة تطوع، أو استماع قرآن، أو ذكر الله ونحو ذلك: إذا كان
يُفعل ذلك أحياناً فهذا أحسن...فأما اتخاذ اجتماع راتب يتكرر بتكرر
الأسابيع والشهور والأعوام، غير الاجتماعات المشروعة؛ فإن ذلك يضاهي
الاجتماعات للصلوات الخمس وللجمعة والعيدين والحج، وذلك هو المبتدع المحدث.
ففرق بين ما يتخذ سنة وعادة؛ فإن ذلك يضاهي المشروع..
عن الكوسج أنه قال لأبي عبد الله [الإمام أحمد]: يكره أن يجتمع القوم يدعون
الله، ويرفعون أيديهم؟ قال: ما أكره للإخوان إذا لم يجتمعوا على عمد، إلا
أن يكثروا)) وإنما معنى أن لا يكثروا: أن لا يتخذوها عادة حتى يكثروا..
فقيَّد أحمد الاجتماع على الدعاء بما إذا لم يُتخذ عادة..
فإذا أحدث اجتماع زائد على هذه الاجتماعات معتاد: كان ذلك مضاهاة لما شرعه
الله وسنّه..وقد ذكرتُ فيما تقدم-: أنه يكره اعتياد عبادة في وقت إذا لم
تجئ بها السنة، فكيف اعتياد مكان معين في وقت معين؟! ( ص 303و 304و 306 و
377 ).
مقدم ومنسق اللقاء:
نشكر للإمام شيخ الإسلام ابن تيمية تفضله بهذا التبيين والتقعيد لهذه
المسألة، والتي لم يدع بعدها شكاً لمرتاب يدّعي سُنِّيَّته، وإنما يخرج
القارئ - بإذن الله - بأن إحياء ليلة المولد النبوي بدعة في الدين وضلالة
يجب تركها وإنكارها والإنكار على من فعله.
فجزى الله شيخ الإسلام عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء، ورفع الله منزلته
في عليين، وحشرنا في زمرته غير مغيرين ولا مبدلين ولا مبتدعين في الدين؛ بل
متبعين مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقا.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد
* ملحوظة مهمة: جميع ما نقلته عن شيخ الإسلام
إنما هو موجود بنصه في كتاب الحافل العظيم: ((اقتضاء الصراط المستقيم
مخالفة أصحاب الجحيم)) ط: الكتب العلمية ووضعت بعد كل نقل رقم الصفحة.
راشد بن عبد الرحمن البداح
الرحيم
صُغْتُ مقابلةً مع شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى - فتصورت شيخ
الإسلام جالساً على كرسي الإفتاء وهو بحرّان في الشام، وتحت كرسيه بعض
الذين يحيون - بل يميتون - ليلة الثاني عشر من ربيع الأول، وتخيلت أنهم
يسألونه أسئلة ويجيبهم عليه.
علماً أنني ذكرت كلام شيخ الإسلام بنصه وفصِّه، ولم أغير منه شيئاً إلا ما
استدعى الاختصار فقط وهو يسير، وإنما أنزلت على تقريرات شيخ الإسلام أسئلةً
رأيتها تطابق ما قرره - رحمه الله تعالى -.
فما أسئلة أهل المولد النبوي، وما إجابات شيخ الإسلام المسددة الموفقة؟!
فإلى ذلك اللقاء الحافل أذهب بكم وأترككم هناك مع المقدم للّقاء والمنسق
له.
يبتدئ المقدم قائلاً: قد وردَتنا أسئلة كثيرة وشبهات من الذين يعتقدون سنية
إحياء ليلة المولد النبوي، فنترككم أعزائي القراء ومع ما يطرحون من
إشكالات واستفسارات.
س1: البدع التي يقع فيها الناس، ما سبب انتشارها وظهوره؟
أصل الضلال في أهل الأرض؛ إنما نشأ من هذين: إما اتخاذ دين لم يشرعه الله،
أو تحريم ما لم يحرمه الله...فالأصل في العبادات: أن لا يشرع منها إلا ما
شرع الله، والأصل في العادات: أن لا يحظر منها إلا ما حظره الله، وهذه
المواسم المحدثة؛ إنما نهى عنها لما حدث فيها من الدين الذي يتقرب به(ص 369
)
س2: كيف تمنعوننا من إحياء ليلة المولد، وقد اعتدنا
عليها في بلادنا وأفتى بها كثير من علمائنا وشارك فيها معظم عبادنا، فما
ردّكم؟
المخصص هو الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة والإجماع نصاً واستنباط، وأما
عادة بعض البلاد أو أكثره، وقول كثير من العلماء أو العباد أو أكثرهم ونحو
ذلك؛ فليس مما يصلح أن يكون معارضاً لكلام الرسول صلى الله عليه وسلم، حتى
يعارض به.( ص 271 )
س3: نحن نسمع من مشايخنا أن ( ما رآه المسلمون حسناً فهو
عند الله حسن ) ومادام أن ليلة المولد قد أجمع الناس عليها فهي إذاً أمر
حسن، فما ردَّكم؟
ج: من اعتقد أن أكثر هذه العادات المخالفة للسنن مجمع عليه، بناء على أن
الأمة أقرَّتها ولم تنكره؛ فهو مخطئ في هذا الاعتقاد؛ فإنه لم يزل ولا يزال
في كل وقت من ينهى عن عامة العادات المحدثة المخالفة للسنة.ولا يجوز دعوى
إجماع بلد أو بلدان من بلدان المسلمين فكيف بعمل طوائف منهم؟ !...
والاحتجاج بمثل هذه الحجج، والجواب عنها معلوم أنه ليس طريقة أهل العلم،
لكن كثرة الجهالة قد يستند إلى مثلها خلق كثير من الناس.( ص 271 + 272 )
س4: نعم ! نحن نقرأ أن ليلة المولد بدعة لم تفعل في عهد
الصحابة رضي الله عنهم، لكنها بدعة حسنة؛ وليست قبيحة، فحينئذ لا ينهى عنه؟
ج: هَبْ أن البدع تنقسم إلى حسن وقبيح ! فهذا القدر لا يمنع أن يكون هذا
الحديث(كل بدعة ضلالة) دالاً على قبح الجميع، لكن أكثر ما يقال: إنه أذا
أثبت أن هذا حسن يكون مستثنى من العموم، وإلا فما الأصل أن كل بدعة ضلالة؟ !
( ص 274 )
س5: هل يمكن أن تعطينا قاعدة منضبطة نقيس عليها هذه
الأمر الذي تفتي بأنه بدعة وضلالة؟
جـ - كل أمر يكون المقتضي لفعلــه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم
موجوداً لوكان مصلحـة، ولم يفعل: أنه ليس بمصلحة.( ص 279)
س6: لو سلَّمنا يا إمام أن المولد النبوي بدعة، فما
الضرر الحاصل من جراء ذلك؟
جـ - الشرائع أغذية القلوب، فمتى اغتذت القلوب بالبدع لم بيق فيها فضل
للسنن، فتكون بمنزلة من اغتذى بالطعام الخبيث..وفعل هذه البدع تناقض
الاعتقادات الواجبة، وتُنازع الرسلَ ما جاءوا به عن الله، وأنها تورث نفاق،
ولوكان نفاقاً ضعيف..فمن تدبر هذ: " علم يقيناً ما في حشو البدع من السموم
المضعفة للإيمان.ولهذا قيل: إن البدع مشتقة من الكفر ( ص 281 و 289 )
س7: يا أيها الإمام: ولماذا نلام على فعلها وقد فعلها
قوم كرام، وهم في الفضل والمكانة بالمقام الأرفع؟!
جـ - إذا فعلها قوم ذوو فضل؛ فقد تركها قوم في زمان هؤلاء معتقدين لكراهته،
وأنكرها قوم كذلك.وهؤلاء التاركون والمنكرون إن لم يكونوا أفضل ممن فعله،
فليسوا دونهم في الفضل.ولو فرضوا دونهم في الفضل، فتكون حينئذٍ قد تنازع
فيها أولو الأمر؛ فترد إذاً إلى الله والرسول.وكتاب الله وسنة رسوله مع من
كرهها لا مع من رخص فيه، ثم عامة المتقدمين الذين هم أفضل من المتأخرين مع
هؤلاء التاركين المنكِرين.( ص 291 )
س8: لكن يا أيها الشيخ المبجل الموصوف بشيخ الإسلام: ألا
ترى ما في إحياء هذه الليلة من المصالح والمنافع، ومنها كثرة الصلاة
والسلام على رسول الله، وكثرة الصدقات على الفقراء، واجتماع كثير من
المسلمين، ولقاء بعضهم ببعض، وغيرها من المصالح والمنافع؟
جـ - أما مافيها من المنفعة: فيعارضه ما فيها من مفاسد البدعة الراجحة،
منها - مع ما تقدم - من المفسدة الاعتقادية والحالية -: أن القلوب تستعذبها
وتستغني بها عن كثير من السنن، حتى تجد كثيراً من العامة يحافظ عليها ما
لا يحافظ على التراويح والصلوات الخمس.( ص291 )
س9: إذ: هل نفهم من خلال كلامكم السابق كلِّه أن الذي
يحيي هذه الليلة مأزور غير مأجور؟
جـ - تعظيم المولد واتخاذه موسم، قد يفعله بعض الناس ويكون له فيه أجر
عظيم؛ لحسن قصده، وتعظيمه لرسول الله صلى الله عليه وسلم..والله قد يثيبهم
على هذه المحبة والاجتهاد لا على البدع ( ص 297 و 294 )
س10: إذاً لماذا تنكرون علينا هذا الإنكار، ولنا في
عملنا بعض الأجر يا إمام؟
ج - أكثر هؤلاء الذين تجدونهم حرصاء على أمثال هذه البدع؛ مع مالهم فيها من
حسن القصد والاجتهاد الذي يُرجى لهم به المثوبة: تجدونهم فاترين في أمر
الرسول عما أُمروا بالنشاط فيه، وإنما هم بمنزلة من يُحلّي المصحف ولا يقرأ
فيه، أو يقرأ فيه ولا يتبعه...
ويَحسن من بعض الناس ما يُستقبح من المؤمن المسدَّد، ولهذا (( قيل للإمام
أحمد عن بعض الأمراء: إنه أنفق على مصحف ألف دينار ونحو ذلك، فقال: دَعْهُ؛
فهذا أفضل ما أُنفق فيه الذهب )) أو كما قال، مع أن مذهبه أن زخرفة
المصاحف مكروهة...وإنما قصده أن هذا العمل فيه مصلحة، وفيه مفسدة كره
لأجله، فهؤلاء إن لم يفعلوا هذا وإلا اعتاضوا هذا الفساد الذي لا صلاح
فيه.(ص297و296)
س11: هل يمكن أن توضح لنا - رحمك الله - كلامك الأخير:
أهو موافقة لنا أم ماذا ؟
جـ - التمييز بين جنس المعروف وجنس المنكر، وجنس الدليل وغير الدليل يتيسر
كثير، فأما مراتب المعروف والمنكر ومراتب الدليل؛ بحيث تقدم عن التزاحم
أعرف المعروفَين فتدعو إليه، وتنكر أنكر المنكَرَين، وترجح أقوى الدليلين؛
فإنه هو خاصة العلماء بهذا الدين....وهؤلاء خير ممن لا يعمل عملاً صالحاً
مشروعاً ولا غير مشروع، أو من يكون عمله من جنس المحرم، كالكفر والكذب
والخيانه والجهل.
س12: إذ: هل نحن أفضل أم الذين يعتقدون بدعية المولد
النبوي؟
جـ- من تعبّد ببعض هذه العبادات المشتملة على نوع من الكراهة، كالوصال في
الصيام..أو قصد إحياء ليالٍ لا خصوص له..؛ قد يكون حاله خيراً من حال
البطّال الذي ليس فيه حرص على عبادة الله وطاعته، بل كثير من هؤلاء الذين
ينكرون هذه الأشياء، زاهدون في جنس عبادة الله..لكن لا يمكنهم ذلك في
المشروع، فيصرفون قوّتهم إلى هذه الأشياء، فهم بأحوالهم منكرون للمشروع
وغير المشروع، وبأقوالهم لا يمكنهم إلا إنكار غير المشروع.
ومع هذ: فالمؤمن يعرف المعروف وينكر المنكر، ولا يمنعه من ذلك موافقة بعض
المنافقين له ظاهراً في الأمر بذلك المعروف، والنهي عن ذلك المنكر، ولا
مخالفة بعض علماء المؤمنين. ( ص 299 )
س13: لكن نرى من إخواننا الذين ينكرون علينا هذا الأمر
نوعاً من الشدة والغلظة في الإنكار، فما وصيتكم لنا ولهم؟
جـ- هذا قد ابتلى به أكثر الأمة في الأزمان المتأخرة، فعليك هنا بأدبين:
أحدهم: أن يكون حرصك على التمسك بالسنة باطناً وظاهراً في خاصتك وخاصة من
يطيعك، واعرف المعروف وأنكر المنكر
الثاني: أن تدعو الناس إلى السنة بحسب الإمكان، فإذا رأيت من يعمل هذا ولا
يتركه إلا إلى شر منه، فلا تدع إلى ترك منكر بفعل ماهو أنكر منه، أو بترك
واجب أو مندوب تركه أضرّ من فعل ذلك المكروه، ولكن إذا كان في البدعة نوع
من الخير؛ فعوِّض عنه من الخير المشروع بحسب الإمكان.إذ النفوس لا تترك
شيئاً إلا بشيء، ولا ينبغي لأحد أن يترك خيراً إلا إلى مثله أو إلى خير
منه.فإنه كما أن الفاعلين لهذه البدع معيبون قد أتوا مكروه؛ فالتاركون
أيضاً للسنن مذمومون..وكثير من المنكرين لبدع العبادات تجدهم مقصرين في فعل
السنن..ولعل حال كثير منهم يكون أسوأ من حال من يأتي بتلك العادات
المشتملة على نوع من الكراهة..فتفطن لحقيقه الدين، وانظر ما اشـتملت عليه
الأفعـــال من المصـالح الشرعيـــة والمفاسـد؛ بحيث تعرف ما ينبغي من مراتب
المعروف ومراتب المنكر، حتى تقدم أهمها عند المزاحمة؛ فإن هذا حقيقة العمل
بما جاءت به الرسل ( ص 296 - 298 ).
س14: هل معنى ما تقدم من تحذيـركم من المولد، ألا نمدح
الرسـول صلى الله عليه وسلم ولا نتـذكـر سيرته، ولا نجتمع على ذلك في أي
ليلة من ليالي السنة؟
جـ- الاجتماع لصلاة تطوع، أو استماع قرآن، أو ذكر الله ونحو ذلك: إذا كان
يُفعل ذلك أحياناً فهذا أحسن...فأما اتخاذ اجتماع راتب يتكرر بتكرر
الأسابيع والشهور والأعوام، غير الاجتماعات المشروعة؛ فإن ذلك يضاهي
الاجتماعات للصلوات الخمس وللجمعة والعيدين والحج، وذلك هو المبتدع المحدث.
ففرق بين ما يتخذ سنة وعادة؛ فإن ذلك يضاهي المشروع..
عن الكوسج أنه قال لأبي عبد الله [الإمام أحمد]: يكره أن يجتمع القوم يدعون
الله، ويرفعون أيديهم؟ قال: ما أكره للإخوان إذا لم يجتمعوا على عمد، إلا
أن يكثروا)) وإنما معنى أن لا يكثروا: أن لا يتخذوها عادة حتى يكثروا..
فقيَّد أحمد الاجتماع على الدعاء بما إذا لم يُتخذ عادة..
فإذا أحدث اجتماع زائد على هذه الاجتماعات معتاد: كان ذلك مضاهاة لما شرعه
الله وسنّه..وقد ذكرتُ فيما تقدم-: أنه يكره اعتياد عبادة في وقت إذا لم
تجئ بها السنة، فكيف اعتياد مكان معين في وقت معين؟! ( ص 303و 304و 306 و
377 ).
مقدم ومنسق اللقاء:
نشكر للإمام شيخ الإسلام ابن تيمية تفضله بهذا التبيين والتقعيد لهذه
المسألة، والتي لم يدع بعدها شكاً لمرتاب يدّعي سُنِّيَّته، وإنما يخرج
القارئ - بإذن الله - بأن إحياء ليلة المولد النبوي بدعة في الدين وضلالة
يجب تركها وإنكارها والإنكار على من فعله.
فجزى الله شيخ الإسلام عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء، ورفع الله منزلته
في عليين، وحشرنا في زمرته غير مغيرين ولا مبدلين ولا مبتدعين في الدين؛ بل
متبعين مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقا.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد
* ملحوظة مهمة: جميع ما نقلته عن شيخ الإسلام
إنما هو موجود بنصه في كتاب الحافل العظيم: ((اقتضاء الصراط المستقيم
مخالفة أصحاب الجحيم)) ط: الكتب العلمية ووضعت بعد كل نقل رقم الصفحة.
راشد بن عبد الرحمن البداح
السبت 21 أغسطس 2010, 1:09 pm من طرف غُربة
» قصيدة الشريم في فتوى الكلباني
الإثنين 28 يونيو 2010, 12:20 pm من طرف حدو
» قبل قليل أصبحت أختاً لنا بعد إسلامها !!!!
الأربعاء 23 يونيو 2010, 10:11 am من طرف أبومها
» الشيخ عبدالعزيز الطريفي يرد على عادل الكلباني
الإثنين 21 يونيو 2010, 9:25 pm من طرف قلم رصاص
» أترك أثرا قبل الرحيل فطوبى لمن كان مفتاحاً للخير مغلاقاً للشر ..
الإثنين 21 يونيو 2010, 8:04 pm من طرف ابو تسنيم
» انزل الناس منازلهم
الإثنين 21 يونيو 2010, 4:29 am من طرف قلم رصاص
» إشراقات الوحي ( 5 )
الثلاثاء 15 يونيو 2010, 5:11 am من طرف عشير المر
» لبِستُ ثوب الرَّجا والناس قد رقدوا
الإثنين 14 يونيو 2010, 11:32 pm من طرف قلم رصاص
» ماهي الضوابط للنظرة الشرعية في الخطبة؟
الإثنين 14 يونيو 2010, 11:15 pm من طرف حتى ظلي له مهابه