الجزء الثاني من ابتلاءات النبي صلى الله عليه وسلم
الوقفة الثانية أيها المباركون: مع حدث وقع بعد بعثته ، وهو تحويل القبلة: كان صلى الله عليه وسلم في مكة يجعل الكعبة بينه وبين بيت المقدس إذا صلى في الحرم، فيصلي ما بين الركنين فيستقبل الشام، أما إذا صلى خارج الحرم فإنه يستقبل بيت المقدس، فلما هاجر إلى المدينة مكث ستة عشر شهرا يستقبل بيت المقدس، ثم قال لجبريل: وددت لو أن الله جعل مكة أو الكعبة قبلتي، فقال له جبريل: إنما أنا عبد فادعُ الله واسأله، فأخذ صلى الله عليه وسلم يدعو ربه ويسأله ويرجو أن يحقق الله له مقصوده ويقلب وجهه في السماء، فأنزل الله قوله: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا} (البقرة:144)، وهذا من إكرام الله لنبيه، فولى صلى الله عليه وسلم وجهه تجاه الكعبة، فانقسم الناس إلى أربعة فرق:
// قال أهل الإيمان من الصحابة الأخيار: سمعنا وأطعنا كل من عند ربنا، فزكاهم الله بقوله: {وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللّهُ } (البقرة:143)...
// وقال اليهود: لقد ترك قبلة الأنبياء، ولو كان نبياً لما ترك قبلتهم...
// وقال القرشيون في مكة: يوشك محمد أن يرجع إلى ديننا كما رجع إلى قبلتنا، وإن هذا من أمارات أننا على الحق...
// قال أهل النفاق وهم يومئذ قليل لأن شوكة المنافقين لم تظهر إلا بعد بدر، أما قبل البدر كان النفاق في المدينة قليلا، فقال بعض ضعفاء الإيمان والمنافقين آنذاك قالوا إن محمدا لا يدري أين يتوجه فإن كان أولاً على الحق فقد ترك الحق، وإن كان في توجهه إلى مكة اليوم على الحق فقد كان محمد على الباطل، فتركوا الدين...
فهذه أربع طوائف يمكن أن يأتي العاقل اليوم فيستسقي منها كيف يتعامل مع الأحداث من حوله:
أولها: أن المؤمن عبد مأمور يستسلم لأمر ربه وإن رأى أنه مخالف لهواه، لكنه يطوع هواه بأن يكون تبعاً لما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم عن ربه، فالدين في مجمله استسلام وانقياد لأوامر الله وفق شرع محمد صلى الله عليه وسلم....
هو دين رب العالمين وشرعه *** وهو القديم وسيد الأديان
هو دين آدم والملائكة قبله *** هو دين نوح صاحب الطوفان
هو دين إبراهيم وابنيه معا *** وبه نجا من لفحة النيران
وبه فدى الله الذبيح من البِلى *** لما فداه بأقرب القربان
هو دين يحيى مع أبيه وأمه *** نعم الصَبِي وحبذا الشيخان
هذا التوحيد ثم جاء بعدها:
وكمال دين الله شرع محمد *** صلى عليه منزل القرآن
فالإنسان يأخذ ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم عن ربه ويأتمر به وينقاد إليه، أما أن يأتي الإنسان لمصالحه ورغباته وأهوائه فيريد أن يطوعها كما يشاء فهذا لا ننفي عنه الإيمان بالكلية، لكن لا يمكن أن يرقى إلى أهل الإيمان المؤتمنين على دين الله جل وعلا بأن ينشروه، ولن يستطيع أحد أن يحمل الدين ويقوم به على الوجه الأكمل والنحو الأتم ويبلغه الناس حتى يؤمن به أولاً وحتى يكون روحاً وجسداً طوعاً لأوامر الله، فإذا كان هوى النفس ورغباتها تبعاً لما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم عن ربه فأصبح هذا الرجل حقًا صادق الإيمان، هذا هو الذي يستطيع أن يحمل الراية، لكن الإنسان قد يأتي آخر الناس في المسجد ويريد أن يكون أول الصفوف في القتال، أو يعكس الوضع يكون أول الناس في المسجد ويريد أن يكون آخر الصفوف في ساحات القتال الشرعي، أو غير ذلك، لكن المرء يكون هواه حقاً تبعاً لما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم عن ربه جل وعلا... من هذه القضية يؤخذ أنه يسهُل على النفس أن تجد أعذاراً فيما لا تريد، كما وجد المنافقون والقرشيون واليهود وجدوا أعذاراً في تحويل القبلة، والأمة تُبتلى وتُختبر على مر الدهور وكر العصور في كل آن وحين كما قال الله:
{وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللّهُ} (البقرة:143)، والله يقول: {يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَّرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ} (التوبة:126)، فابتلاء الناس واختبارهم بالأحداث العظام يتكرر في التاريخ كله، فإذا أقبلت الفتنة عميت على الناس ولا يعرفها إلا من رزقه الله جل وعلا رسوخاً في العلم، فإذا أدبرت وانتهت أضحت بجلاء لكثير من الناس، يبقى فئام في إقبال الفتنة أو في إدبارها هم سواء لا يريدون أن يروا إلا ما يريدون أن يروه، وإذا كان الإنسان لا يحب أن يسمع إلا كلاماً يُحبه ولا يحب أن يرى إلا واقعاً يُريده؛ فهذا لن يبصر ولن يسمع، لكن العاقل يرى الأشياء على ما هي ثم ينظر كيف يتعامل معها وفق شرع الرب تبارك وتعالى، يسهُل على الشاب الذي تتثاقل قدمه عن الصلاة أن يقول: إن إمام حيّنا يتأخر في الإقامة يُطيل في الصلاة، أو يقول العكس يُظهر أنه رجل تقي بار فيقول: هذا الإمام لا يُطيل الصلاة لا أجد نفسي وراءه أخشع، فلو ذهب إلى المسجد النبوي أو غيره لقلنا إنه صادق، لكن يبقى في البيت ويتخذ من خطأ الأمام عذراً هذا حاله ليس مثل الأولين الذين ذكرناهم في مثال القبلة تماماً لكن هناك وجه شبه لا انفكاك منه عن الحالة، كما قال المنافقون: إن كان محمد على الحق فقد ترك الحق، إن كان محمد يزعم أن الثانية حق فقد كان محمد على الباطل، والمقصود أن طرائق التأويل سهلة جدا لمن يريد أن يتبع الغواية و يخرج عن منهاج هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
السبت 21 أغسطس 2010, 1:09 pm من طرف غُربة
» قصيدة الشريم في فتوى الكلباني
الإثنين 28 يونيو 2010, 12:20 pm من طرف حدو
» قبل قليل أصبحت أختاً لنا بعد إسلامها !!!!
الأربعاء 23 يونيو 2010, 10:11 am من طرف أبومها
» الشيخ عبدالعزيز الطريفي يرد على عادل الكلباني
الإثنين 21 يونيو 2010, 9:25 pm من طرف قلم رصاص
» أترك أثرا قبل الرحيل فطوبى لمن كان مفتاحاً للخير مغلاقاً للشر ..
الإثنين 21 يونيو 2010, 8:04 pm من طرف ابو تسنيم
» انزل الناس منازلهم
الإثنين 21 يونيو 2010, 4:29 am من طرف قلم رصاص
» إشراقات الوحي ( 5 )
الثلاثاء 15 يونيو 2010, 5:11 am من طرف عشير المر
» لبِستُ ثوب الرَّجا والناس قد رقدوا
الإثنين 14 يونيو 2010, 11:32 pm من طرف قلم رصاص
» ماهي الضوابط للنظرة الشرعية في الخطبة؟
الإثنين 14 يونيو 2010, 11:15 pm من طرف حتى ظلي له مهابه